أماكن كثيرة وجميلة نملها مع تكرار زيارتها.. مكانين فقط على الأرض كلما زرتهما أزداد شوقك وحنينك إليهما: هما بيت الله الحرام والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، حيث قبر أشرف مخلوق عَرَفَتْه البشرية. فبالقرب من قبره لا تصدق نفسك أنك قريب منه، ويتنازعك مزيج من الأحاسيس المختلفة وربما المتناقضة أحيانا، فتجدك مدفوعا بشوق المُحبّ لحبيبه، وخائفا في نفس الوقت من أن يكون به غضب منك أو عليك.
وقد كنت في زيارة قريبة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست في الروضة الشريفة بجانب قبره صلى الله عليه وسلم، وغمَرَت روحي تلك الأحاسيس، حيث في هذا الموقف تشعر أنك أمام شخص تألفه أكثر من أهلك وأصحابك، وفي الوقت نفسه تهابه لعلمك بمكانته الكبرى بين الخلق عند الله، وتشعر كذلك بالخجل عند الوقوف بين يديه. إلا أن حنينا وشعورا بالحاجة إلى الالتجاء إلى حضنه الرحيم يدفع الخُطى الخجلة إلى الإسراع والاندفاع نحوه.
شوق: لأنه أحب مخلوق في الوجود يمكن للقلب أن يحبه، فليس هناك قبله ولا أحد من البشر يسبقه، فحبه من تجهيزات المؤمن للآخرة وبدونه لا يكتمل الإيمان، وبه نلقاه صلى الله عليه وسلم على الحوض، فنشرب الشربة المباركة الهنيئة التي لا ظمأ بعدها أبداً، وبقدره يتحدد مجلسنا منه قُربًا أو بعدا في الجنة.
خوف: مصدره الخشية من أن يكون غاضبا مني أو ساخطا عليَّ؛ لضعف إيماني وتفريطي فيما أوصانا به، وتقصيري في المحافظة على تماسك عُرى الإسلام والذود عنه، وقلة حرصي في إقامته في نفسي وحياتي.
ألفة: لكوني أعلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد وصفه رب العزة بهذا الوصف الشامل {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَّحِيمٌ}، ولأنه تمنى أن يرانا واشتاق لذلك؛ في حديثه الصحيح: "وددت لو أرى إخواني... قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني". وبشّرنا في نفس الحديث أن للعامل منّا أجر خمسين من الصحابة؛ لأننا لا نجد على الخير أعوانًا.
حبّ: إدراكا مني لمدى حبّه لنا وشفقته علينا، فهو من قدّم لنا حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها لتكون فيها القدوة، وأحبَّ لنا الخير وحرص على ما ينفعنا، وتعرض لكل صور الابتلاءات التي يمكن أن يمرّ بها بشر؛ حتى يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة ويصل لنا الدين كاملا غير منقوص.
مهابة: لكوني أقف بين يدي أعظم شخصية في الوجود، وسيد ولد آدم، فهو خير من أقلّت الغبراء وأظلت الزرقاء وأنجبت النساء بحق الأعظم، كيف لا وقد اصطفاه الله على بني آدم؟! وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله ربه رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقد أعطاه الله في الدنيا شرف النسب وكمال الخلقة، وجمال الصورة وقوة العقل، وصحة الفهم وفصاحة اللسان، وقوة الحواس والأعضاء، والأخلاق العلية، وما لا يُستطاع وصفه وحصره من الخصال الطيبة والصفات الحميدة.
خجل: ووقفت أمام قبره الشريف، وأخذت أتأمل حال أمتنا الإسلامية الممتدة من المحيط إلى المحيط، متسائلا: ماذا لو عاد إلينا رسول الله؟! وماذا سيقول عن حالنا؟! وهل كلّ ما نقوم به في حياتنا سواء كأفراد أو أسر أو شباب أو شعوب أو دول وحكومات متوافقا مع ما كان يتمناه منا؟ وبماذا سنجيبه إذا سألنا عن نصرة المظلوم والضعيف وعن حرمات الله المنتهكة وعن أرض الإسلام السليبة وعن الدماء المراقة؟ وهل فكرّنا يومًا لو عرضنا حالنا عليه، هل سيبتسم في وجوهنا أم سيعرض عنا!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق
المرجو عدم كتابة تعليقات خارجة عن نطاق الاخلاق