الثلاثاء، 8 فبراير 2011

هوس النحافة.. بين الجمال والأمراض

لقد تحول الجري وراء النحافة إلى هاجس لا يفارق النساء وأصبحن منشغلات بصورهن والوصول إلى حد الرشاقة الذي اعتبرنه هو معيار الجمال، ربما قد بدا الأمر بتصويب الأطباء السهام تجاه السمنة التي تعتبر السبب الرئيسي وراء الكثير من الأمراض. إلا أن الواقع لم يكن ولم يستمر كذلك فقد تحول إلى الجري وراء الموضة وإتباع للفنانات وعارضات الأزياء وتحول إلى حالة مرضية منتشرة بين نساء العالم خوفًا من السمنة وظهر مرض يسمى "البوليميا"، يصاب الشخص فيه بالشره، فيأكل كميات كبيرة من الطعام ثم يتقيأ كل ما أكله، لخوف داخلي من السمنة وهو مرض أصيبت به الأميرة ديانا.
إلا أن مخاطر النحافة لم تقف عند هذا الحد ولكنها تخطت ذلك إلى مراحل متعددة يصاب فيها المريض بالعديد من الأمراض؛ نظرًا لضعف جهازه المناعي، بالإضافة إلى مخاطر أدوية النحافة التي قد تُودي بحياة المريض في حال تناولها دون الرجوع إلى الطبيب.
ومن صفحات موقع "فور شباب" نتوجه إلى بناتنا ونسائنا بنصيحة "كوني جميلة.. ولكن ليس على حساب صحتك".
هناء علي من السعودية تقول: الآونة الأخيرة شهدت كثيرًا من التغيرات في ثقافة الفتيات في اهتمامهن بالسمنة أو النحافة؛ فالأغلبية من البنات خاصة الطالبات يتبعن نظامًا غذائيًّا للمحافظة على نحافتهن، إلا أن هناك من يتبع نظامًا غذائيًّا دون الرجوع إلى الطبيب مما قد يؤثر على صحتهن سلبًا، وغالبًا هذا يرجع إلى الغيرة بين الفتيات وبعضهن ومتابعة المسلسلات التي تأتي بالفتيات الجميلات نحيفات، أي إنه اتباع للموضة العالمية.
وتختلف عبير طوسون من السعودية مع الرأي السابق قائلة: إن السعوديات بطبيعتهن غير قابلات للسمنة؛ ولهذا فهن لا يواجهن مشاكل السمنة ولا يجرين وراء النحافة؛ لأنها بحسب طبيعة أجسادهن متوفرة بشكل طبيعي، وقد يحدث أن تتبع بعضهن أساليب التقليل من الوزن ولكن ليس بشكل كبير، ولا يعد ذلك ظاهرة؛ لأن الأمور لم تصل إلى هذه المرحلة.
أما خولة راشد من الإمارات فتقول: الرجيم جزء لا يتجزأ من حياة الإماراتية العاملة وسيدة الأعمال؛ لأن المرأة الإمارتية تهتم جدًّا بمظهرها وتحرص دائما على أن تكون جميلة؛ ولذلك فهن لا يتركن أنفسهن للترهل والسمنة إطلاقا، ولا أعتقد أن هناك امرأة إماراتية قد لا تشغل بمظهرها بدءًا من قوامها ثم ما ينسحب على باقي المظهر من اهتمام بالأزياء والمكياج وما إلى ذلك. وأعتقد أن أي امرأة تهمل في مظهرها هي من لا تهتم بقوامها ورشاقتها وهو شيء بعيد تمامًا عن النساء هنا.
أمينة الصنهاجي الحسيني من المغرب فتقول: أعتقد أن المسألة مرتبطة بالحاجة للأمان. وما دام المجتمع يغذي مسألة ارتباط الأمان بالرجل؛ فالمرأة أمانها هو أن تعجب الرجل، فيأتي الإعلام ليضع معايير الجمال التي تجعل المرأة مقبولة ومحبوبة وبالطبع الفتاة تستلهم هذه المعايير وتحاول أن تكون وفقها لتفوز بالإعجاب ومن ثم بالأمان الذي هو حاجتها الأصيلة كلما احتاجت الفتاة للحماية.
وأضافت أمينة: كلما كان خوفها أكبر، وعدم ثقتها بقدراتها واستقلالها أكثر. انغمست في تقليد أي صورة يعطيها الإعلام للجمال بغض النظر عن احتياجها هي أو رغبتها الخاصة. ومسألة الصحة وغيرها لا تحتل مكانًا في جدول اهتمامنا مجتمعيًّا. وبالتالي فالفتاة لا تلقي بالاً للأمر؛ لأنه لا يطرح أصلا وفي المغرب مسألة القوام مرتبطة بالبنية الاجتماعية وتقاليد المناطق المختلفة؛ فالمغربيات عمومًا لا يعانين من السمنة، باعتبار نظام حياتهن. فهن مشغولات جدًّا بالعمل، ويتحركن كثيرًا، كما أن عدد ساعات الراحة لدينا قليلة فعلا، ثم إن نظام الغذاء عندنا لا يساعد على السمنة.

ضرر منهي عنه
يقول د. سيد زايد مدير المجمع الدعوي عضو لجنة الفتوى: إن هذا السعي من قبل الفتيات وربما من قبل النساء قد يكون سلاحًا ذا حدين، بمعنى أنه لو أن هناك امرأة او فتاة بدينة وتسعى للوصول إلى وزن أقل فهو أمر من الناحية الصحية مهم جدًّا وحماية لها من أمراض عديدة تسببها السمنة، وهو أمر مرغوب فيه بل إنه فرض عليها حتى لو وصل الأمر إلى أقصى درجاته بإجراء عمليات. فهي من باب العلاج.
ولكن إذا كان الأمر غير ذلك وتحول الموضوع إلى الجري وراء معايير الجمال وإجراء عمليات لتصغير أو تكبير أجزاء معينة بجسد المرأة أو شفط الدهون من أجزاء أخرى لمجرد الوصول إلى نموذج معين وليس من باب العلاج. فالوضع هنا يختلف فهو محرم شرعًا؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"، وهذه العمليات بالتأكيد تضر بالهرمونات.

وحتى إن لم تصل الفتاة لدرجة إجراء العمليات ولكن بمجرد امتناعها عن الطعام لدرجة مفرطة فهو ما سيصل بها بالتأكيد إلى الأنيميا الحادة، وهو نوع من أنواع الانتحار البطيء، وبالتالي فيه تعطيل لوظائف الجسم ومن ثم إخلال المرأة بالوظائف المنوطة بها (كحمل وولادة وإرضاع... الخ)، حيث يقع هنا الضرر المنهي عنه بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة...}.

إهانة للمرأة
وتضيف د. حنان زين أستاذ علم الاجتماع مدير مركز السعادة للاستشارات الزوجية والأسرية: إن هوس الرجيم نتج من عدة عوامل اجتماعية وثقافية، إلا أنه للأسف البعد الأصلي فيه وهو البعد الصحي غير مؤثر، وأكثر هذه العوامل تأثيرًا هو عامل الإعلام الذي يسيطر على المشكلة، بل إنه من ابتدعها من الأصل؛ لأنه يقدم كل النماذج، سواء كانت المذيعات أو حتى الشخصيات التي تستضيفهن، بالإضافة طبعًا إلى فتيات الفيديو كليب، كلها شخصيات نحيفة ونحافتهن تلك لا تناسب الجميع.
وأصبحت الفتاة تعتقد أن النحافة هي معيار الجمال بل وأصبحت الصورة التي تُقدم للشباب أيضا بأن هذه هي الفتاه الجميلة - وهو ما أفقدهم القدرة على اختيار شريكة الحياة بمعاييرها الناضجة وأصبح يبحث عن المعايير الشكلية التي تجعله يفتخر بها أمام الآخرين- كل هذا جعل النحافة تأخذ اهتمامًا مبالغًا فيه بغض النظر عن السلبيات التي تنتج عنها.
وأنا أعتبر أن اهتمام المرأة بالوصول إلى هذا الحد من النحافة هو إهانة لها، وأتذكر إحدى الحالات التي جاءتني بالمركز وهي فتاة كان وزنها 70 كجم ولكنها اتبعت أسلوبًا لتقليل الوزن ووصلت إلى 35 كجم وهو ما أصابها بفشل كلوي كامل.
وحالة أخرى كانت لزوجة وأم في الأربعينيات من عمرها وأيضا اتبعت نظام رجيم قاسيًا مما أصابها بالزهايمر وجعل أسرتها تضعها في مكان خاص بها وحدها؛ لأنها تظل تصرخ ومصابة بالاكتئاب.
ففكرة اللجوء إلى أدوية تقليل الوزن دون استشارة الطبيب تعرض من يتناولها إلى أضرار بالغة؛ فهذه الأدوية تعمل على فصل الإشارات بين المخ والمعدة، إلا أنه يجب التنويه هنا أيضا إلى عدم رفضنا لعمليات شفط الدهون والتدبيس... الخ، ولكن ذلك في حالات السمنة المفرطة.
أما فيما عدا ذلك فننادي بالجسم الصحيح وقبله العقل الصحيح ونتبع في ذلك المنهج النبوي (منهج اللقيمات) فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه"، كما قال - صلى الله عليه وسلم - أيضا "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"؛ فالأطباء الذين اتبعوا هذا المنهج حققوا مع مرضاهم نتائج مبهرة دون تأثير على صحة مرضاهم بل على العكس تمامًا.
هذا إلى جانب اللجوء إلى الرياضة ليس فقط للمساعدة على فقدان الوزن ولكن لحماية المرضى من الاكتئاب؛ فالرياضة تساعد الإنسان على أن يفرز هرمون "أندروفيلز" وهو مضاد للاكتئاب، خاصة أن أساليب الرجيم القاسي والخاطئ تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب وتعود بردود فعل عكسية؛ فقد يقبل المريض بعد فترة من اتباعه هذا الرجيم القاسي على الطعام بشراهة ويعود إلى حالة أسوأ مما كان عليها.
فالإعلام حين يركز على هذه المعايير الشكلية فهو يختزل قيمة المرأة في مظهرها بغض الطرف عن جوهرها، ولو أنه أراد أن يقدم صورة متوازنة لفعل؛ لأنه عندما قدم المرأة السمراء هي المرأة الجميلة نجح في ذلك بتغيير مفهوم آخر كان راسخا بتفضيل الشقراوات. وتضيف: نحن لا نحارب الجسم الصحيح، ولكن في الاعتدال حفاظ على قيمة المرأة ككل متكامل وبتوازن بين جميع الأبعاد.

تشويه للصورة الذاتية
أما الدكتورة إيناس عبد الفتاح أستاذة علم نفس بكلية الآداب جامعة عين شمس فتوضح أن هؤلاء الفتيات عندما يبحثن عن هذا المستوى من الرجيم أو الوصول إلى هذه الدرجة من النحافة فهن لديهن نوع من أنواع تشويه صورة الجسم لدى الذات؛ فهي دائمًا ما ترى نفسها بحاجة إلى مزيد من فقدان الوزن ويصبح لديها رغبة في التأكيد والبحث عن صوره ترضيها غير مشوهة وتحاول أن تصل إليها بهذا الرجيم القاسي عسى أن تحقق ما تسعى إليه.
وتضيف د.إيناس: إلا أن المشكلة أن هؤلاء الفتيات ربما يصلن إلى أقصى درجات النحافة والتي قد تكون فيها أقرب إلى الهيكل العظمى، إلا أنها لا تزال ترى نفسها بدينة وتسعى إلى مزيد من النحافة، حتى إنها قد تأكل الطعام ثم تقوم بتقيؤه حتى لا تزيد أبسط زيادة في الوزن.
ويقول د.محيي الدين سعيد أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة الأزهر: إن الاهتمام بالجسد أو الوصول إلى مرحلة من الرشاقة هو أحد أهم مصادر تقدير الذات؛ لأنه يصل إلى صورة يرضى بها عن نفسه وهو أمر مهم جدًّا نفسيًّا، بل هو مظهر من المظاهر الصحية، ولكن بشرط أن يكون ذلك في الإطار المعتدل.
أما إذا تطرف الأمر ليصل إلى أن يرى الشخص نفسه بدينًا وهو في قوام معتدل ويظل يبحث عن النحافة بالامتناع عن الطعام أو بالتقيؤ فهو ما يصل به إلى الاضطرابات الجسمانية والنفسية التي تؤدي به دائما إلى الإخفاق والفشل والدخول في دوامة من الإحباطات وعدم القدرة على التركيز أو القيام بأبسط الوظائف المكلف بها؛ لأن الجسم بحاجة إلى قدر متوازن من الطعام حتى يؤدي وظائفه. وفي حالة سعي الإنسان إلى التقليل من وزنه عليه أن يفعل ذلك بشكل تدريجي وليس بشكل مفاجئ حتى لا تحدث كل هذه الأضرار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

المرجو عدم كتابة تعليقات خارجة عن نطاق الاخلاق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by NewWpThemes | Blogger Theme by Lasantha - Premium Blogger Themes | New Blogger Themes تعريب قوالب بلوجر